البعض يعتبر اللون الوردى هو لون الحب، لأن هذا اللون يمثل الحب غير المشروط والتفاهم والعاطفة، والأخذ والعطاء والتضحية من أجل الآخرين. والبعض الآخر يرى أن اللون الأبيض هو لون الحب لأنه لون النقاء والصفاء والرابط الأبدى، ورمز مرحلة جديدة فى حياة من يقرر الارتباط مع نصفه الآخر، وربما لهذا نرى الأبيض هو اللون الغالب فى حفلات الزفاف، بدءاً من فستان العروس وصولاً إلى زينة الطاولات والورود والزهور. وثمة بعض من يعتبرون ألوان الطيف رمزاً للحب، إذ مادام هناك أشعة شمس ومطر، سيجدون ألوان قوس قزح تزين السماء من فوقهم، ومادام هناك ألوان الطيف، فإن الحب سيبقى يذكرهم بأنهم بشر وفى قلوبهم زرع الحب. أما بالنسبة لمعظم الناس فإن اللون الأحمر هو لون الحب، لأنه لون الدم الذى يجرى فى العروق ويمد القلب بالحياة، القلب الذى يخفق عندما تجتاحه مشاعر جياشة لدى رؤية من نحب . كان يجلس على المقعد وحيداً يدقق فى وجوه المارة ويراقب ألوان الزهور التى فى أيديهم، لولا الوفاء لتلك الحكاية وتلك المرأة لربما كان الآن بصحبة زوجة وأطفال تقترب قامتهم من قامته، لكن بعض الوفاء ظالم، عاش بعدها حكاية خضراء رائعة الطقوس والتفاصيل وجد فيها كل شىء فقده بعدها إلا نفسه، لكنه لم يندم على حكاية منحته دور البطولة وكان فيها ملكاً، فنحن ملوك فقط فى حكاياتنا الجميلة. منذ البداية كان يتصور أن حبها سيزول من قلبه مع مرور الأيام، كان يتصوره مطراً سيتوقف وينقطع لكنه كان سيولاً أغرقته، مازال ذلك الحب فى قلبه وذكراه تحيطه، لو كان لقلبه لسان لتكلم وأفشى ما بداخله من أسرار، أسرار تكشف أحلامهما التى كانت مثل الشراع، وحبهما السفينة التى أبحرت داخل بحر الحياة، ولكن رياح القدر كانت أقوى من كل شيء، وسقط الشراع وتاهت السفينة، فأين هى لتمحو أثر ما كان لتعلن من جديد انها تحبه، فبعد كل جرح كان ينام، وبعد كل نوم يستيقظ شخصاً آخر، فهزات الخذلان كانت تنسفه وتغير به الكثير. كان النهار فى آخره والضوء ينساب فى خفوت، ولسعة الخريف تدعو إلى التماس الدفء، جلس أمامه شاب وفتاة لفتا نظره، مر بهم بائع الأزهار فأشترى الشاب للفتاة زهرة ووضعها فى شعرها، امتدت يد الشاب وأمسك بكف الفتاة وراحا ينظران إلى النيل ويسمعان همسه، وبدا قلبه كأنه ينصت لارتعاشات قلبهما، الفتاة تسمع دقات قلب الشاب وهى على صدره، والشاب يجاهد أن يسمع دقات قلبها، يعلم أنها تحبه ويدركان عجزهما عن حماية حبهما. بعد فترة من حديثهما استلت الفتاة كفها من بطن يده وتنهدت، أنفاسها حملت صهداً كالحريق، فنظر إليها، ونزعت الزهرة من شعرها وخطت نحو النيل وألقت بها ومضت. فقرر أن يتدخل ويعيد الماء إلى مجراه، قال للشاب: هى الآن كالطير الصغير الذى يتعلم الطيران، ويجب أن تكون بجوارها حتى لا تسقط من أول محاولة لها، يجب أن تتمسك بها حتى لا تتعثر، وطلب منه أن يلحق بها واستجاب الشاب لنصيحته. وهو فى مقعده ساكناً مبهوتاً، راحت عيناه تراقبان النيل، وشق الماء قارباً ماراً فتماوج، كانت الزهرة تتماوج مع الموج تغيب وتظهر، فتخيلها حبيبته حين تغيب، يشعر بأن روحه تنسحب منه، وحين تظهر تعود له، وشدت نظره وهى تقاوم الموج كأنها تتحداه، وظل يراقب المشهد، وبكى حين رأى الموج يطوى فى قبضته الزهرة الجميلة، كأنه يعتصرها عصراً حتى اختفت، وتألم أن يكون للماء مثل هذه القبضة القاسية، وكما تغرق الأحلام أغرق النيل حلمه، حكاية ترمم كسور حكاية، وبشر يعيدون بناء أطلال بشر، فالحكايات لا تتوقف أبدا.ً