إذا كنا بالفعل نسعى لكى ننهض ببلدنا الحبيب مصر فعلينا بالتعليم، وعندما أتكلم عن إصلاح التعليم لا أقصد بناء مدارس جديدة أو إدخال التقنية الحديثة إلى مدارسنا، بل أتحدث عن تجديد الاتجاه الفكرى الذى يشكل السياسات التعليمية للبلاد بشكل عام، هذه السياسات يجب أن يعاد صياغتها بحيث تتواكب مع مجريات الأحداث والتغيرات التى تمر بها البلاد، فكيف يمكن أن نتوجه نحو تطوير التعليم ومازلنا نتحدث عن مشكلة اختبار الثانوية العامة وبأنه عنق الزجاجة الذى يحدد مصير الطالب، على الرغم من أن البطالة هى تقريبا المصير الحقيقى والواقعى لأغلبية الخريجين من الجامعات المصرية، فلماذا هذا الإصرار على أن نسير على نفس النهج التعليمى الذى يؤدى بأبنائنا إلى الجلوس فى البيت بعد 16 عاما من الدراسة والتعب والمصاريف. إن تطوير التعليم فى مصر يحتاج إلى عقول مفكرة تبتدع سياسات تعليمية جديدة تساعد فى حل مشكلات المجتمع الحالية والمستقبلية ومهما فعلت الدولة من توفير موارد للتعليم لن تكون مفيدة، لأننا باختصار نسير فى اتجاه خاطئ لن يصل بنا إلا إلى مزيد من تفاقم المشكلات التى لدينا، فنحن مثل شخص يريد السفر من أسوان إلى القاهرة وهو لا يعرف الطريق فجاء بخريطة قديمة كانت عنده وأعطاها للسائق وبعد عدة ساعات تصل به السيارة إلى الواحات، فيعود مرة أخرى ويقود سيارته من أسون فتصل به إلى الواحات وهكذا.. حتى شعر بالضيق وقرر أن يحل المشكلة فغير السيارة، ثم غير السائق، ولكن المشكلة ظلت كما هى لم تحل لأن السبب فيها هو أن الخريطة قديمة جدا لا تتماشى مع الطرق الواقعية التى يتم تحديثها سنويا، لقد آن الأوان لصناع القرار فى البلاد أن يصنعوا سياسات تعليمية ناهضة قادرة على أن تتواكب مع حاجات البلاد وتوجهاتها وأحلام شعبها. إن كل مواطن فى هذا البلد الحر يدرك أن مصر دولة زراعية سياحية تسعى أن تكون صناعية، فهل منتجاتنا التعليمية تتوافق مع احتياجاتنا؟ هل عدد المهندسين الزراعيين والباحثين فى المجال الزراعى كافٍ لكى يصنع لنا ثورة فى مجال الزراعة ونهضة فى بحوث الرى والتهجين والاستصلاح الزراعى ونشر التوعية والإرشاد فى قرى مصر؟ هل مخرجات التعليم فى بلادنا بها ما يكفى من مرشدين سياحيين قادرين على استثمار الخبرات السياحية لبلادنا وهل هم مؤهلون على مواجهة الأزمات السياسية وقادرون على الحفاظ على هذه الثروة فى أحلك الظروف؟ هل لدينا العدد الكافى من العمال المؤهلين والمدربين للعمل فى المصانع الكبرى التى تقوم بإنتاج وتصدير أفضل المنتجات التى تحمل اسم صنع فى مصر؟ الإجابة هى لا. فبدلا من الزراعيين والمرشدين والعمال نجد عندنا وفرة فى مخرجات كليات الحقوق والتجارة والتربية، ثم نشتكى من البطالة وجلوس الخريج فى بيته بعد التخرج! لماذا لا يكون لدينا دراسة واضحة لحاجات السوق المصرى ونوزعها على الطلاب وأولياء الأمور لكى يعرف المجتمع مصير أبنائه بعد التخرج؟ يجب أن تكون سياسة التعليم فى مصر سياسة مركزية فى عمومها ولا مركزية فى تحديد أهدافها الصغرى وسياسة مخرجات التعليم فى كل محافظة، مثال على ذلك: هل نحن فى رفاهية اقتصادية تسمح بسفر الطالب من محافظة لأخرى لكى يدرس فى جامعة بعيدة عن بيته أو أسرته بسبب درجة أو درجتين؟ لماذا نحمل الأسرة والدولة تكلفة مادية باهظة ونصنع مشكلات فى الطرق والطاقة والإسكان دون أى جدوى تذكر ففى نهاية المطاف سيصبح لدينا عاطل جديد غير مطلوب فى سوق العمل. إن التعليم فى اليابان، كمثال حى، هو تعليم مركزى فى عمومه ولا مركزى فى بعض شئونه بحيث يوجد فى كل مقاطعة من مقاطعات اليابان مجلس تعليم خاص بها يعتبر هو المسئول عن وضع سياسة التعليم وإدارته وتنفيذه فى هذه المقاطعة بما يتناسب مع حاجات تلك المقاطعة، لذلك أرى أن يكون التعليم فى مصر تعليما عاما مركزيا يحافظ على هوية المواطن وتوجهات البلاد وتعليما لا مركزيا يتواكب مع خصوصيات كل محافظة وحاجاتها.